الخميس، 17 مارس 2011

ثُمَة امرأة تُشبِهُ النْسيَّان








يا الله كيفَ للحناجر أنْ تنتحب وهي صامتة ، ثم تعيش بعدما فارقت الحياة منذُ أزل .؟!


(*)



ألستِ من رسِمَ للوجوه الحزينة ابتسامة ، وكنتِ الهواء والماء والحياة للعابرين . تِلك الحياة
التي يتنفسهُا البائسون بِشراهة حتى تكون لهم محطة عبور لضوء الفرح ، وكُنتِ عصفور
الصَّباح الذي يُغني على أسماع الحزينين أغنية من الطراز الأول لِيبعثُ لهم روح الأحلام
الحقيقة والأمنيات المُستجابة وباباً للأمل الذي لا يُغلق ، ونافذة لنور شمسٌ تُزيحُ معها عتمة
الأفكار الميتة التي تقضي مع الأجساد ليلاً أسوداً لا يتكرر ، ألستِ فرحة الفقير، ودعوة المظلوم
، وصوت الضمير الحيَّ .


لمَ أصبحتِ الآن أسطورةً لأشياء معدومة ، أو كاللوحةً لا تجذبُ المارين لِنظر إليها ,أو مدينة
خالية لا يسكنها أنساناً ولا حيوان , أو رغيفُ خبز يابس لا يسد جوعُ طفل لم يتذوق منذُ أيام طعام
، لمَ أصبحتِ وجهاً شاحباً لا تشتهي الشمس أن تُشرق عليه، ولا المرآة أن تنظر إليه .؟!

هاهي تَصمت لا تُجيب وأن تحدثت كأنها ترمي حديثها في آنية مُمتلئة بالثقوب حيثُ لا يَخرج
منها ألا الأشياء الصغيرة والباقي تَحتبسه داخل جوفها لا يَسمعه ألا هيَ ، تحدثت وكأنها مَخلوق
لا أعرفه تماما تم تغييره جذرياً لِينفجر الحديث مرة واحدة بِشكل جنوني لا يُوصف ، تَتحدث وهيَ
لا تُفرق بين ابتلاع لُعابها أم الحديث الذي انتثر دون سابق إنذار من جوفِها ، تُتمتم كلمات مصفوفة
غريبة وتبكي ثم تتوقف عن كل هذا وتضحك لِتُعيدُ إلقاء حديثها ليَّ بِسخرية تامة :


- الحُب وحده يا عزيزتي يجعلُ حياتُنا تتغير إلى مالم يكن بالحُسبان ، يجعلُنا مخنوقين نبحث
عن أنفاس العزلة ، يُقيمُ علينا حد الهلاك حتى الانتهاء ، يجعلُنا نرتوي لا شيء ، يُذيقنا طعاماً مالحاً يجرح
أفئدتُنا ، الحب أن كان لُه بداية فَهو نعيم وأن كان لهُ نهاية فَهو جحيم لأن بدايته لهفة ونهايته موت .
أحببته وتمنيتُ أن يحصل كل شيء معه ، وكأننا حينما نُحب لا نشعر بالأشياء التي نفعلها ، فقط نهدر
كل شيء لأجل الحُب وبأ سمه دون التفكير بالاكتفاء اللازم ..نعم أهدرتُ كل شي لأجله دون اكتفاء ،
فَأنساني كل شيء ونسيتُ معه كل شيء حتى نفسي ، حتى أكلي ، حتى صوتي ، ووجهي ، أصبحتُ
أنا هوَ بِكل تَفاصيله حتى بنبرة الصوت وحدته .


أتعلمين ...
هو يسكن كُل شيء بغرفتي على طاولتي صورته ، وتحت وسادتي معطفه ، على هوامش كتبي أسمه ،
ودونت الأشهر التي تأتي بِتفاصيله ... أصبحَ هو أكتوبر وفبراير ديسمبر ونوفمبر ، أصبحت السنة الميلادية
هو بأكملها ، أَيعقل أني كُنتُ حينها مجنونة به لِهذا الحد ؟! حتى يبلغ بي كل شيء ويُصبح الصَّباح والمساء
الذي أستيقظ و أنام عليه ، يكون لي الهواء والماء والطعام يكونُ لي الداء الذي يؤذيني والدواء الذي أُشفى به.

أخبريني هل لازلتِ تبحثين عن أطرافي الحيَة ، أو عنَّي التي كُنتُ سابقاً ؟!
حبيبتي ،أرجوك لكي لا تعيشي دور المُسعفة وتموتي أنتِ دون أن يأتي أحد لإسعافك سأُخبرك بأن كل شيء
كان بي مات بعد رحيله لاشيء جيد ولا سيء يستحق البحث عنه فالا تُدِيري حلقات جسدي بحثاً عن شيء بعد
الآن ، اجعليني كائناً يتواجد لأجل أن يرحل فقط .




- أَبعدتْ وجهها عني وكأن الحنين يبتلع غصتها العالقة بِحُنجرتِهِا كلما ألقت جمله ، وكأن كل شيء ترتب أمام عينيها.
أصبحَت كَصورةً أهدرت نصفها ولتو حصلت على نصفها الأخر ، كل شيء يَستيقظ بينَ عينيها وأراها تشتعل حرقة دون أن تتكلم وهَي تُكفن نفسها من حديث أنفجر كَبُركان كان خامداً وثار فجأة ، لهيباً يحترق في قلبها كيف كانت سابقاً وأَصبحت الآن تَجْرُ نحيباً كان ميتاً في قلبها، عرفتُ حينها كم طال عمر الألم بِداخلها وعمقه ، كيفَ كانت تزفره وتعود تتنفسهُ من جديد ، كيفَ كانت جسداً يضحك ويبكي ، يرقص ويغني دون حس ، دونَ أن يكون لهُ وجود بالأصل..كلُ شيء كانت تفعله حينها كان خارجها تماماً ، عَلَمتني جميع فصول الحب بِجفافه ورطوبتُه ،بِخريفه ، وربيعه ،بِشتائه وصيفه في لحظة واحدة فقط ،يا الله كَيف في البعض الأحيان حديث واحد فقط يُعيد بناءك من جديد ويوقِفُكَ عن البحث في أجساد مخلوقات يعيشون خارجياً فقط دون أن يكون هُناك دور داخلي في ذلك ..!




أغلقت فمي وأنا الثرثارة التي لا تصمت ، التي تُنجب الأسئلة المُنمقة وكأنها تُحيك قطعة صوف طويلة لا تنتهي إلا بإرادتها ، اختنقت حِينُها ولا أعلم هل ابتلع الهواء من فمي أم أتنفسه لِيصل إلى رئتي، تركتها للهواء للحيرة وأصبحت أرتبُ نفسي واحملني لِأغادرُ بي إلى خارج هذهِ الغرفة وأجوائِها القاتلة .





إهداء.
لِصبية الصالحة التي تتوضأ من ملوحة حديثها ، وتُصليَّ على الذكريات المدفونة بَذاكرتُها .

  ©تموت الأشياء

تصميم و تركيبSILENT | Topo